
مع ثورة اكتشاف تسلسل الجينوم البشري وتطور تقنيات الكشف عن الأسباب الجينية للأمراض وكذلك تطور أدوات التعديل الجيني ولعل أبرزها تقنية كريسبر التي وصلت إلى مراحلها النهائية في بعض الأمراض أو قيد استخدامها في أمراض أخرى، لطالما نسمع عن علاج جيني تم اعتماده، كعلاج مرض الضمور العضلي الشوكي SMA، ضمور الشبكية LCA، أنيميا الدم المنجلية، الثلاسيميا، مرض سيولة الدم (الهيموفيليا). أيضًا، هناك أمراض أخرى ذات مسبب جيني واحد هي الآن في المراحل الأخيرة من التجارب السريرية أو قبل السريرية (على الحيوان).
ولكن السؤال المهم هنا، ماهو العلاج الجيني؟
العلاج الجيني هو إصلاح الخلل الجيني الذي تسبب في حدوث المرض الجيني أو إحداث خلل جيني يتسبب في تعطيل جين وجوده مضر. قد يكون العلاج الجيني عن طريق إزالة أو تعديل الجين باستبداله بآخر جديد أو إصلاح الخلل الموجود بأحد طرق التعديل الجيني المعروفة وأشهرها تقنية كريسبر، ومن ثم وضعه في ناقل ليتم حقنه في المريض. وقد يكون علاجًا خلويًا، وذلك عن طريق استخلاص الخلايا الجذعية المصابة وتعديلها جينيًا وزيادة عددها خارج الجسم وبعد أن تصبح كميتها كافية للاستخدام تتم زراعتها في المريض لتقسم وتنتج أضعافها من الخلايا السليمة القادرة على إصلاح الخلل الجيني. كما هو الحال في العلاج الجيني الذي تم اعتماده لعلاج الأنيميا المنجلية والثلاسيميا، وهو من الأدوية المتوفرة في المملكة العربية السعودية.
ماهي المتطلبات والخطوات الرئيسية لدخول علاج جيني التجارب السريرية على البشر وبالتالي استخدامه كعلاج.
هناك عدة خطوات ومراحل مهمة لاعتماد العلاج:


١-التعرف على الجين المرتبط بذلك المرض.٢- معرفة نوع الطفرة المسببة للمرض وما الخلل الذي أحدثته تلك الطفرة في الجين؛ وهل هو فقدان أو اكتساب للوظيفة.
٣- تحديد الطريقة الأفضل لإصلاح أو تعويض الجين وكذلك طريقة إيصال الجين (أو الخلية) المعدّل أو البديل للجسم.
٤- التقييم الطبي والعلمي لمعرفة هل الفائدة المرجوة من العلاج الجيني تفوق خطورته أو تفوق فوائد العلاج الحالي لذلك المرض الجيني، إذا كان له علاج متوفر.
٥- يجب أن يكون الجين والناقل له داخل الجسم مضمونين الفاعلية والسلامة لعلاج مرض ذو خلل جيني معين ومعروف.
٦- يجب أن تحدد الخلايا المستهدفة بالعلاج والتي يجب أن يصل لها الجين ويصلح الخلل فيها، فمثلًا، إذا كان الخلل في عضو واحد فقط كنخاع العظم مثلًا، فيوجّه العلاج الجيني للخلايا الجذعية في نخاع العظم فقط، أو إذا كان الخلل في الإنزيمات التي تنتج في الكبد فيوجّه العلاج الجيني لاستهداف خلايا الكبد فقط.
٧- يجب أن يثبت العلاج فاعليته وسلامته في الخلايا العملية أو الخلايا البشرية الأولية المعزولة، وأعداد كبيرة من حيوانات التجارب التي طُوّرت لتكون نموذجًا يحاكي المرض.
٨- يجب أن يُكتب بروتوكول علمي وأخلاقي للدراسة على الإنسان ويُراجع ومن ثم يوافق عليه من قبل لجان/هيئات مختصة في المؤسسة أو الحكومة التي ستتم فيها الدراسة ومن ثم تُسجّل الدراسة في جهة رسمية مثل المعهد الوطني للصحة في أمريكا NIH لمتابعتها من قبل المجتمع العلمي والطبي لضمان سيرها حسب ما خُطّط لها ومتابعة نتائجها التي يتطلب تحديثها دوريًا.
دول كأمريكا، كندا وبريطانيا، والمملكة العربية السعودية مثلًا، تضع بروتوكولات ورقابة صارمة جدًا لتطبيق هذه الشروط ليتأكدوا من أن هذا العلاج صالح للانتقال من التجارب المعملية إلى السريرية على البشر.
بعد ما تعرفنا على شروط ومراحل العلاج الجيني، يأتي سؤال مهم
وهو كيف نبحث بطرق موثقة عن التجارب السريرية القائمة حاليًا أو العلاج الجيني المتوفر لمرض ما وكيف نعرف مسار التجارب وآخر نتائجها؟
هناك عدة قواعد بيانات رسمية دولية لمساعدتك في البحث عن التجارب السريرية أو العلاج الجيني للمرض الذي تهتم به، ومن أهمها:

١- الموقع الرسمي للمركز الوطني الصحي الأمريكي NIH ويحتوي غالبية التجارب السريرية في أمريكا وحول العالم، وعن مختلف مراحلها ونتائجها الأولية من فاعلية سريرية وسلامة وما إلى ذلك من المعلومات الطبية المهمة المتعلقة بتلك التجارب. بإمكانك البحث باسم المرض، الجين، الأعراض أو العلاج في أي دولة:
٢- قاعدة بيانات Cell Trials Data وهي قاعدة موثوقة، تحوي جميع التجارب السريرية حول العالم والتي تستخدم العلاج الخلوي وتُسرد التجارب السريرية من مواقع مختلفة سُجّلت فيها التجارب. يتم عرضها حسب اختيارك، فمثلًا حسب نوع الخلايا أو العلاج الخلوي:
تأكد بأن تقوم بطباعة تلك المعلومة مع مصدرها وأخذها معك عند أقرب زيارة لطبيبك المعالج لأخذ رأيه ومشورته ومساعدتك في اتخاذ القرار بناء على حالتك وتاريخك المرضي.
د. نايف المنتشري
أستاذ مشارك واستشاري الوراثة الطبية
مدير مركز الجينات والأمراض الوراثية
جامعة طيبة


